الدماغ .. المارد في غرفة الصف
قبل سنوات ثلاث، كان رجل هولندي يدعى ماوريس دوهوند يبحث عن مدرسة ابتدائية مناسبة لابنته، فوجد أن كل المدارس في بلاده تسير على المنهج نفسه الذي كانت عليه عندما كان هو نفسه طفلاً، قبل أكثر من ستين عاماً،فقرر أن يؤسس مدرسة تتبنَّى تعليماً لعصر جديد، لتكون واحدة من أكثر المدارس ابتكاراً في العالم. وحملت اسم «مدرسة ستيف جوبز» تكريماً له . مدرسة دون معلمين، بل بمدربين، ليس فيها صفوف دراسية، بل مجموعات تضم تلاميذ من أعمار مختلفة. لا يحتاج المدربون فيهاإلى تحضير الدروس، لذلك كل وقتهم مخصص للمهمة الأساسية، وهي اكتشاف مهارات الطفل وتنميتها. وهنا يكمن الاختلاف بين التعليمالتقليدي والحديث . حيث كان ُيعتقد بأن مهمة المعلمين والمربين تعبئة وعاء فارغ بأكبر كم من المعلومات. حيث مازالت تركز مدارسنا علىالحفظ والتذكر والاسترجاع بدرجة تفوق كثي ًرا الاهتمام بالمهارات العقلية العليا، لذلك تهدف التربية التقليدية إلى تزويد الطلبة بالمعلوماتعلى أساس أن من يمتلك هذه المعلومات هو الأكثر قدرة على مواجهة الحياة. أما في عصر المعلومات فالدماغ عبارة عن جهاز حيوي معقدمتعدد الأنظمة يتشكل ويعيد تشكيل نفسه بفعل الخبرات الحياتية التي يعايشها.
ولعل عددًا من العاملين في مجال التعليم قد يتسائلون ، وما الذي سنجنيه من معرفتنا المتعمقة بأقسام عقلنا ووظائف أجزائه ؟ وما هيالتطبيقات التربويةالتي يمكن أن نطبقها في ميداننا العملي؟ ولست ألومهم في هذه التساؤلات إذ كنت أنا شخص ًيا من أكثر الطارحين لها، لكن بعد هذه الأبحاث التي قرأتها ، وتلك التطبيقات الرائعة ، تغيّرت تلك القناعات وصرت من المتحمسين الحقيقيين لتفعيل هذه المعارف فيواقعنا التربوي . إن الحياة المدرسية التي تتسم بالجمود وقلة الحركة وضعف المعطيات الحسية والمقررات الثابتة والهدوء والجلوس ساعاتطويلة للاستماع للمعلمين ليست شروط ملائمة للتعليم بل ظروف معيقة لعمل الدماغ، لذلك عندما تكون الدراسةعلى مستوى الحبل الشوكي(أمر روتيني) فإن الفهم حت ًما في أدنى مستوياته. ففي عصر الصناعة كان الاعتقاد السائد أن التعلم يكون أفضل عندما يجلس الطلابفي صفوف يستمعون إلى محاضرة لمعلم يقف في مقدمة الصف ويعطيهم مواد تتطلب الحفظ والتذكر ويذعنون للتعليمات والقواعد دونإعطائهم أي خيارات . أما المعلمون فقد كانوا ينظرون إلى الفروق الفردية كالذكاء على أنها وراثية في معظمها وثابتة ،فهم يعتقدون أن التعلميحدث نتيجة التدريس المباشر وما على المتعلم إلا التلقي. أما في عصر المعلومات فأصبح ينظر إلى التعلم على أنه يمكن أن يكون أفضلعندما يجلس الطلبة في عدة أماكن في الصف وحسب رغبتهم واعتمادًا على نوع النشاط، ويمكن إعطاء الطالب فر ًصا لاختيار ما يدرسونهوكيفية تعلمهم له وهذا من شأنه أن يعطيهم فر ًصا لاتخاذ القرار. وبذلك يهدف التعلم إلى اكتساب مهارتي حل المشكلات والاستدلال من أجلالوصول إلى المعنى وذلك بواسطة البناء المستمر للمعرفة ، أما الفروق الفردية في الذكاء فينظر على أنها متعلمة وينظر إلى الدافعية للتعلمعلى أنها داخلية مدفوعة بالبحث عن المعنى وتكوينه. كما أصبح التعلم يعتمد على وسائل تتطلب أكثر من حاسة ويعتمد
على بيئات التعلم التعاونية وعلى الفهم والمعنى ويستخدم التكنولوجيا كأداة للتعلم. لذا كان لابد من توفير بيئة غنية ونقصد بالبيئة الغنية هيتلك التي توفر استخدام تسع عشرة حاسة وتزود الدماغ بمعطيات حسية قوية وشاملة،و هذا تفسير مباشر لصعوبة الحياة المدرسية الحاليةوصعوبة حفظ المعلومات وتذكرها وبطء نمو الدماغ وانخفاض مستوى أدائه. لأننا لا نستخدم سوى حاستين (السمع والبصر) وهذه تشكل90%من معطيات تعليمنا التقليدي الحالي وتعتبر أدنى المعطيات وأقلها إثارة للدماغ. حيث إن استخدام الحواس التسع عشر يجعل الدماغمنشغلا ونش ًطا مما يجعل التعلم غير قابل للنسيان. كما أن التنويع في أساليب التعليم أحد مقومات التجديد كاستخدام الكمبيوتر،المجموعات، الرحلات الميدانية، وتعليم الطلاب بعضهم لبعض، حيث إن التعليم التعاوني هو مطلب من مطالب نمو الدماغ وهو قائم على جعلكل مشارك في المجموعة يؤدي عملا يخدم المجموعة دون أن يكون عليه القيام بأعباء أعمال وحده.
أما بالنسبة للافتراضات المتعلقة بالدماغ فهل تساءلت لماذا يكون المعلم متع ًبا في نهاية اليوم المدرسي عل ًما أنه لا يرفع الأثقال ولا يجريفي سباق طوال اليوم؟ السبب ببساطة لأن الدماغ لا يجد وقتًا للراحة العقلية ، لذلك يصبح مرهقًا عقل ًيا نظ ًرا لأنه مستنفر طوال اليوم. حيثإن معل ًما واحدًا يواجه صفَا من ثلاثين دما ًغا مختلفًا لا يتمكن من أداء مهماته لذلك لا بدّ من تعاون الطلبة م ًعا . من هنا كانت المدرسةالتقليدية لا تعترف بالمشاعر والانفعالات بل على العكس تضع طلابها في أجواء ت ّركز على المعرفة والمنطق فقط متجاهلة المشاعر التي تز ّودالتفكير بالحماسة والانتباه وتهيء لهم استراتيجيات للتخفيف من حدة الانفعالات. وأختم أخي ًرا بنماذج لمعلمين آمنوا بأبحاث التعلم المستندإلى الدماغ ،فكانوا واق ًعا حقيق ًيا لممارسات معلمينا في الميدان التربوي.دخل المعلم أحد الصفوف ، وقد شغل قطعة موسيقية ، فما كان منالطلاب إلا أن أسندوا ظهورهم ينصتون لهذه الموسيقى وأجسامهم مسترخية، بعد لحظات أوقف الموسيقى وبدأ المعلم درسه في الهندسة. هذا مثال لمعلم متأثر بأبحاث الدماغ التي تقول بأن مناطق الدماغ المتخصصة في إدراك العلاقات المكانية لا بد وأن تستثار أولا من خلالالاستماع إلى بعض أنواع الموسيقى عندئذ يصير دماغ الطالب أقدر على تعلم الهندسة..
مقرر المنهج ونظريات التعلم أشرف عليه الدكتور: حمد بن عبدالله القميزي
أستاذ المناهج وطرق التدريس المشارك – كلية التربية عميد كلية المجتمع- جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز
كتبته : ساره مطلق الداحس
ماجستير مناهج وطرق تدريس جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز
15/11/2020 1:50 ص
ساره مطلق الداحس
لا يوجد وسوم
0
2290
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.alkharjnet.net/articles/%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%85%d8%a7%d8%ba-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b1%d8%af-%d9%81%d9%8a-%d8%ba%d8%b1%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%81